الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
تذكر أخي الكريم: أن الدنيا أيام معدودة، مستعارة مردودة، وأنك فيها في ابتلاء وأنها لك دار عمل، وأنه لا مفر لك من نهاية الأجل، وأن القبر فتنة وحساب فإما نعيم وإما عذاب، وأن المرء يموت على ما عاش عليه، ويبعث على ما مات عليه، ففريق في الجنة وفريق في السعير.
فهل أعددت للموت عدته؟
وهل فكرت يوماً في وحشة القبور؟
وهل تأملت في أهوال الحشر والنشور؟
أعد على فكرك أسلاف الأمم *** وقف على ما في القبور من رمم
ونادهـم أن القــوي منـكــــم *** والقاهر أم أين الضعيف المهتضم
تفاضلت أوصافهم فوق الثرى *** ثـم تســـاوت تحتــــه كــــل قـدم
أولاً: لحظات المحتضرين
ولا بأس أخي الكريم: أن أذكر لك بعض لطائف المحتضرين، ممن فتح الله عليهم لحظة الموت على ما قدموا في حياتهم من الطاعات والقربات، فقد حكى القرطبي في كتابه التذكرة: عن شيخ شيخه أحمد بن محمد القرطبي أنه احتضر فقيل له: قل لا إله إلا الله، فكان يقول: لا فلما أفاق ذكرنا له ذلك
فقال: أتاني شيطانان عن يميني وعن يساري، يقول أحدهما: مت يهودياً فإنه خير الأديان، والآخر يقول: مت نصرانياً فإنه خير الأديان، فكنت أقول لهم: لا لا أنى تقولان هذا!! فكان الجواب لهما لا لكم.
فتذكر أخي الكريم عسر هذه اللحظات، وتذكر ما يحصل فيها من البلاء والفتن، فوالله إنها لأحرى بالتذكر والتأمل، والاستعداد والتشمير عن ساعد الجد بالانتهاء عما حرم الله، وفعل ما افترضه وأوجبه، والإكثار من الخيرات وما ينفع في الدار الآخرة، فإن ذلك من أعظم ما يسهل على المرء سكرة الموت، ويجعله ثابتاً موقناً من دينه ساعة الاحتضار.
فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يحتضر ويقرأ: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ} [القمر: 54-55]
وهذا عمر بن عبدالعزيز رحمه الله، عند موته يقول: "أجلسوني، فأجلسوه، فقال: أنا الذي أمرتني فقصرت، ونهيتني فعصيت، ولكن لا إله إلا الله، ثم رفع رأسه فأحد النظر، فقالوا له: إنك لتنظر نظراً شديداً يا أمير المؤمنين
قال: إني أرى حضرة ما هم بإنس ولا جن ثم قبض رحمه الله وسمعوا تالياً يتلو: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص: 83]
أخي:
فكن بالله ذا ثقة وحـاذر *** هجوم الموت من قبل أن تراه
وبادر بالمتاب وأنت حي *** لعـلك أن تنـال بـه رضاه
ثانياً: كيف نستعد للموت؟
أخي المسلم: أما وقد عرفت أن لحظة الاحتضار، لحظة امتحان، وأن الموت حتم لازم، ليس منه بد ولا منه مفر، فكن لتلك اللحظات على استعداد، وتزود بالتقوى ليوم المعاد، واعلم أنك تموت على ما حييت عليه، وأنك تبعث على ما مت عليه، فكيف تستعد للموت؟!
1-اجتناب المنهيات:
فاجتنب أخي الكريم ما نهاك الله عنه، وجاهد نفسك بالابتعاد عن الشهوات والشبهات واعلم أن الله جل وعلا يغار على محارمه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يغار، وغيره الله أن يأتي المرء ماحرم الله عليه»
وقد أوعد الله جل وعلا من تعدى حدوده وانتهك حرماته بالفتنة والعذاب، فقال تعالى:
{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]
واعلم حفظك الله، أن جملة ما نهى الله جل وعلا عنه يتلخص في ثلاثة أمور:
الأول: الشرك
الثاني: الظلم
الثالث: الفواحش
قال تعالى في وصف المؤمين: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً} [الفرقان: 68]
فعامة ما نهى الله جل وعلا ينضوي تحت هذه الثلاثة، فمن وفق لاجتنابها فقد استعد للموت حق الاستعداد، وكان اجتنابه نجاة له يوم المعاد.
فقد حرم الله جل وعلا عنه الشرك وجعله موجباً للخلود في النار فقال: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [النساء: 48]
وحرم الظلم فقال: {وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ} [الحج: 71]
وعن جابر رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم» [رواه مسلم]
وحرم الله جل وعلا الفواحش فقال: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ} [النجم: 32]
فهذه الثلاثة هي أصول المنهيات كلها، فمن حقق اجتنابها فقد اجتنب عامة ما نهى الله عنه، من الغيبة والنميمة والكذب وعقوق الوالدين، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، والغش والخداع والمكر والغدر والخيانة وأكل أموال الناس بالباطل وغير ذلك مما يعد انتهاكاً لحرمات الله وحدوده.
2-أداء الفرائض والواجبات:
ولا تتجلى حقيقة إسلام العبد إلا بأداء ما افترضه الله عليه، ومن ذلك الصلاة والزكاة والصيام والحج لمن استطاع إليه سبيلاً، فهذه هي ثوابت الإسلام وأركانه، فعن أبي عبدالرحمن عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان»
فمن حافظ على هذه الفرائض وأداها على الوجه الذي يليق كما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد جمع خصال الخير والفضل، وكان له ذلك أكبر عون على سكرات الموت ووحشة القبر وأثابه الله على ذلك أجراً عظيماً.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن أعرابياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته، دخلت الجنة، قال: «تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان»
قال: والذي نفسي بيده، لا أزيد على هذا
فلما ولى، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا»
3-تذكر الموت ومحاسبة النفس:
أخي الكريم: ومما يعلي الهمة، ويدفع النفس إلى الاستعداد للموت، دوام ذكره ومذاكرته، وتوقع حصوله في كل لحظة وحين، ومحاسبة النفس على الأقوال والأفعال والخواطر.
قال سفيان: "من أكثر من ذكر القبر وجده روضة من رياض الجنة، ومن غفل عن ذكره وجده حفرة من حفر النار".
وقال حاتم الأصم: "من مر بالمقابر فلم يتفكر لنفسه ولم يدع لهم فقد خان نفسه وخانهم"
لذلك فقد رغب رسول الله صلى الله عليه وسلم في زيارة القبور لما لها من أثر بليغ على النفوس، فعن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الآخرة»
وروى عن داود الطائي أنه مر على امرأة تبكي على قبر وهي تقول:
عدمت الحياة ولا نلتـها *** إذا كنت في القبر قد لحدوكا
فكيف أذوق طعم الكرى *** وأنـت بيمنـاك قد وسدوك
ثم قالت: يا ابناه ليت شعري بأي خديك بدأ الدود؟
فصعق داود مكانه وخر مغشياً عليه.
فأكثر أخي الكريم: من ذكر هادم اللذات، واعلم أنه آت لا محالة، واستعد للحساب وامتحان القبر.
قال عمر بن الخطاب: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا فإنه أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية".
ولذا ينبغي للعبد أن يحاسب نفسه كل وقت وحين على أداء الفرائض، واجتناب النواهي وأين قضى يومه، ومن أين اكتسب ماله، وفيم أنفقه، وماذا بطش بيده وأين سارت رجله، وماذا رأت عينه وماذا سمعت أذنه؟
فمتى كان العبد شديد المحاسبة لنفسه، مداوماً على التوبة والاستغفار مما يجده من التقصر والتفريط في جنب الله، كان أقرب إلى الثبات عند الموت، وأبعد عن الفتنة وشدة البلاء.
4-الإكثار من الطاعات والقربات:
ومن ذلك الحرص على النوافل والأذكار، وأعمال الخير وبذل المعروف، والتخلق بالخلق الحسن مع الناس، فإنه ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من الخلق الحسن.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل معروف صدقة»
وقال صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة»
وعن عبدالرحمن بن عبدالله بن سابط قال: "لما حضر أبا بكر الصديق الموت دعا عمر فقال له: اتق الله يا عمر، اعلم أن لله عملاً بالنهار لا يقبله بالليل، وعملاً بالليل لا يقبله بالنهار، وأنه لا يقبل نافلة حتى تؤدي فرضيته، وإنما ثقلت موازين من ثقلت موزاينه يوم القيامة باتباعهم الحق في دار الدنيا وثقله عليهم وحق لميزان يوضع فيه الحق غداً أن يكون ثقيلاً".
فاغنم العمــر وبــــادر *** بالتقى قبل الممات
وأنب وارجع واقلـــــع *** من عظيم السيئات
واطلب الغفران ممــن *** ترتعـب منه الهبات
ثم نادي في الدياجي *** يا مجيـب الدعوات
اعف عنا يــا رحيمــاً *** وأقلنـــــا العـثــــرات
وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تذكر أخي الكريم: أن الدنيا أيام معدودة، مستعارة مردودة، وأنك فيها في ابتلاء وأنها لك دار عمل، وأنه لا مفر لك من نهاية الأجل، وأن القبر فتنة وحساب فإما نعيم وإما عذاب، وأن المرء يموت على ما عاش عليه، ويبعث على ما مات عليه، ففريق في الجنة وفريق في السعير.
فهل أعددت للموت عدته؟
وهل فكرت يوماً في وحشة القبور؟
وهل تأملت في أهوال الحشر والنشور؟
أعد على فكرك أسلاف الأمم *** وقف على ما في القبور من رمم
ونادهـم أن القــوي منـكــــم *** والقاهر أم أين الضعيف المهتضم
تفاضلت أوصافهم فوق الثرى *** ثـم تســـاوت تحتــــه كــــل قـدم
أولاً: لحظات المحتضرين
ولا بأس أخي الكريم: أن أذكر لك بعض لطائف المحتضرين، ممن فتح الله عليهم لحظة الموت على ما قدموا في حياتهم من الطاعات والقربات، فقد حكى القرطبي في كتابه التذكرة: عن شيخ شيخه أحمد بن محمد القرطبي أنه احتضر فقيل له: قل لا إله إلا الله، فكان يقول: لا فلما أفاق ذكرنا له ذلك
فقال: أتاني شيطانان عن يميني وعن يساري، يقول أحدهما: مت يهودياً فإنه خير الأديان، والآخر يقول: مت نصرانياً فإنه خير الأديان، فكنت أقول لهم: لا لا أنى تقولان هذا!! فكان الجواب لهما لا لكم.
فتذكر أخي الكريم عسر هذه اللحظات، وتذكر ما يحصل فيها من البلاء والفتن، فوالله إنها لأحرى بالتذكر والتأمل، والاستعداد والتشمير عن ساعد الجد بالانتهاء عما حرم الله، وفعل ما افترضه وأوجبه، والإكثار من الخيرات وما ينفع في الدار الآخرة، فإن ذلك من أعظم ما يسهل على المرء سكرة الموت، ويجعله ثابتاً موقناً من دينه ساعة الاحتضار.
فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يحتضر ويقرأ: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ} [القمر: 54-55]
وهذا عمر بن عبدالعزيز رحمه الله، عند موته يقول: "أجلسوني، فأجلسوه، فقال: أنا الذي أمرتني فقصرت، ونهيتني فعصيت، ولكن لا إله إلا الله، ثم رفع رأسه فأحد النظر، فقالوا له: إنك لتنظر نظراً شديداً يا أمير المؤمنين
قال: إني أرى حضرة ما هم بإنس ولا جن ثم قبض رحمه الله وسمعوا تالياً يتلو: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص: 83]
أخي:
فكن بالله ذا ثقة وحـاذر *** هجوم الموت من قبل أن تراه
وبادر بالمتاب وأنت حي *** لعـلك أن تنـال بـه رضاه
ثانياً: كيف نستعد للموت؟
أخي المسلم: أما وقد عرفت أن لحظة الاحتضار، لحظة امتحان، وأن الموت حتم لازم، ليس منه بد ولا منه مفر، فكن لتلك اللحظات على استعداد، وتزود بالتقوى ليوم المعاد، واعلم أنك تموت على ما حييت عليه، وأنك تبعث على ما مت عليه، فكيف تستعد للموت؟!
1-اجتناب المنهيات:
فاجتنب أخي الكريم ما نهاك الله عنه، وجاهد نفسك بالابتعاد عن الشهوات والشبهات واعلم أن الله جل وعلا يغار على محارمه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يغار، وغيره الله أن يأتي المرء ماحرم الله عليه»
وقد أوعد الله جل وعلا من تعدى حدوده وانتهك حرماته بالفتنة والعذاب، فقال تعالى:
{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]
واعلم حفظك الله، أن جملة ما نهى الله جل وعلا عنه يتلخص في ثلاثة أمور:
الأول: الشرك
الثاني: الظلم
الثالث: الفواحش
قال تعالى في وصف المؤمين: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً} [الفرقان: 68]
فعامة ما نهى الله جل وعلا ينضوي تحت هذه الثلاثة، فمن وفق لاجتنابها فقد استعد للموت حق الاستعداد، وكان اجتنابه نجاة له يوم المعاد.
فقد حرم الله جل وعلا عنه الشرك وجعله موجباً للخلود في النار فقال: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [النساء: 48]
وحرم الظلم فقال: {وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ} [الحج: 71]
وعن جابر رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم» [رواه مسلم]
وحرم الله جل وعلا الفواحش فقال: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ} [النجم: 32]
فهذه الثلاثة هي أصول المنهيات كلها، فمن حقق اجتنابها فقد اجتنب عامة ما نهى الله عنه، من الغيبة والنميمة والكذب وعقوق الوالدين، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، والغش والخداع والمكر والغدر والخيانة وأكل أموال الناس بالباطل وغير ذلك مما يعد انتهاكاً لحرمات الله وحدوده.
2-أداء الفرائض والواجبات:
ولا تتجلى حقيقة إسلام العبد إلا بأداء ما افترضه الله عليه، ومن ذلك الصلاة والزكاة والصيام والحج لمن استطاع إليه سبيلاً، فهذه هي ثوابت الإسلام وأركانه، فعن أبي عبدالرحمن عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان»
فمن حافظ على هذه الفرائض وأداها على الوجه الذي يليق كما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد جمع خصال الخير والفضل، وكان له ذلك أكبر عون على سكرات الموت ووحشة القبر وأثابه الله على ذلك أجراً عظيماً.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن أعرابياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته، دخلت الجنة، قال: «تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان»
قال: والذي نفسي بيده، لا أزيد على هذا
فلما ولى، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا»
3-تذكر الموت ومحاسبة النفس:
أخي الكريم: ومما يعلي الهمة، ويدفع النفس إلى الاستعداد للموت، دوام ذكره ومذاكرته، وتوقع حصوله في كل لحظة وحين، ومحاسبة النفس على الأقوال والأفعال والخواطر.
قال سفيان: "من أكثر من ذكر القبر وجده روضة من رياض الجنة، ومن غفل عن ذكره وجده حفرة من حفر النار".
وقال حاتم الأصم: "من مر بالمقابر فلم يتفكر لنفسه ولم يدع لهم فقد خان نفسه وخانهم"
لذلك فقد رغب رسول الله صلى الله عليه وسلم في زيارة القبور لما لها من أثر بليغ على النفوس، فعن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الآخرة»
وروى عن داود الطائي أنه مر على امرأة تبكي على قبر وهي تقول:
عدمت الحياة ولا نلتـها *** إذا كنت في القبر قد لحدوكا
فكيف أذوق طعم الكرى *** وأنـت بيمنـاك قد وسدوك
ثم قالت: يا ابناه ليت شعري بأي خديك بدأ الدود؟
فصعق داود مكانه وخر مغشياً عليه.
فأكثر أخي الكريم: من ذكر هادم اللذات، واعلم أنه آت لا محالة، واستعد للحساب وامتحان القبر.
قال عمر بن الخطاب: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا فإنه أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية".
ولذا ينبغي للعبد أن يحاسب نفسه كل وقت وحين على أداء الفرائض، واجتناب النواهي وأين قضى يومه، ومن أين اكتسب ماله، وفيم أنفقه، وماذا بطش بيده وأين سارت رجله، وماذا رأت عينه وماذا سمعت أذنه؟
فمتى كان العبد شديد المحاسبة لنفسه، مداوماً على التوبة والاستغفار مما يجده من التقصر والتفريط في جنب الله، كان أقرب إلى الثبات عند الموت، وأبعد عن الفتنة وشدة البلاء.
4-الإكثار من الطاعات والقربات:
ومن ذلك الحرص على النوافل والأذكار، وأعمال الخير وبذل المعروف، والتخلق بالخلق الحسن مع الناس، فإنه ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من الخلق الحسن.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل معروف صدقة»
وقال صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة»
وعن عبدالرحمن بن عبدالله بن سابط قال: "لما حضر أبا بكر الصديق الموت دعا عمر فقال له: اتق الله يا عمر، اعلم أن لله عملاً بالنهار لا يقبله بالليل، وعملاً بالليل لا يقبله بالنهار، وأنه لا يقبل نافلة حتى تؤدي فرضيته، وإنما ثقلت موازين من ثقلت موزاينه يوم القيامة باتباعهم الحق في دار الدنيا وثقله عليهم وحق لميزان يوضع فيه الحق غداً أن يكون ثقيلاً".
فاغنم العمــر وبــــادر *** بالتقى قبل الممات
وأنب وارجع واقلـــــع *** من عظيم السيئات
واطلب الغفران ممــن *** ترتعـب منه الهبات
ثم نادي في الدياجي *** يا مجيـب الدعوات
اعف عنا يــا رحيمــاً *** وأقلنـــــا العـثــــرات
وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.