متى تتكون البرامج الذاتية لدى الفرد
قال د/ تاد جيمس و وايت وود سمول في كتابهما خط الحياة (عندما نبلغ السابعة من عمرنا يكون أكثر من 90 % من قيمنا قد تخزنت في عقولنا ، وعندما نبلغ سن الواحدة والعشرين تكون جميع قيمنا قد اكتملت واستقرت في عقولنا) وبهذا نكون قد نشأنا منذ نعومة أظفارنا ، بل من لحظة الميلاد وقبل أن نشب عن الطوق نكون مبرمجين إما سلباً أو إيجابا
ولوراجعنا ما هو موجود في شريعتنا لوجدنا أن هذا الكلام صحيح بدليل أن الشرع أمرنا أن تكون أول كلمة يسمعها المولود هي الآذان والإقامة ( كلمات التوحيد ), إن إسماع الطفل الآذان - بعد خروجه للدنيا مباشرة - أمر ٌ مقصود ليستقر في قلبه وفي عقله الباطن
بل الصحيح أن البرمجة تتم من قبل الولادة ونحن نطف في أرحام أمهاتنا لأن الجنين يتأثر بما تحمله أمه من مشاعر وأفكار أثناء الحمل وتؤثر على نفسيته بدرجة كبيرة، ولذلك يطلب مراعاة الأم الحامل بدرجة كبيرة
، ولكن أين الآباء ( وأعني الأزواج ) ليعوا مثل هذا الأمر ويتجنبوا مغبة تكوين المشاعر السلبية والنفسية المحطمة لدى الأم لأن الطفل يستقبلها مع غذائه عبر الأم
بل إن الأمر يمتد لما قبل الزواج, تأملوا قوله صلى الله عليه وسلم ( تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس ) وهذا يعني أنه ينبغي أن ينتقي المرء من ستكون أماً لأولاده مستقبلاً ، وكذا الحال بالنسبة للفتاة (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه) وذلك لأن الآباء من أحد أهم مصادر البرمجة لدى الإنسان وأقواها وهذا يعنى أن البرمجة ليست من البداية فحسب ، بل هي البرمجة قبل البداية
من المسلم به أن أولى الحواس التي تعمل لدى الطفل هي حاسة السمع (قبل الولادة بستة أسابيع) ثم البصر (بعد الولادة بستة أشهر), جاء في القرآن الكريم ( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤل)
إذاً فالطفل يبرمج في سن مبكرة وتكون وسائل الاتصال هي السمع والبصر وبالطبع لا يفهم أو يدرك ما يسمع أو يراه إنما يقلّده تقليداً أعمى, نستشف من ذلك كله أن فترة السنتين الأولى للطفل ستكون برمجته من خلال القدوة الحسنة بنسبة قد تصل 95%
من يبرمج الأبناء ؟
تتم برمجة الأبناء من قبل
• الوالدين
• المحيط العائلي
• المدرسة
• الأصدقاء
• الإعلام بجميع صوره
• المحيط الاجتماعي والثقافي القريب* مثل الجيران ، المعارف ، أصحاب المصالح 00الخ
• المحيط الاجتماعي والثقافي البعيد ممثلاً في الدولة وسياستها العامة
• ذات الشخص
• ويزيد عليهم في الكبر محيط العمل
كيف يتكون الادراك
• من الميلاد -------7 سنوات تعتبر مرحلة التمثيل العائلي المباشر وغير المباشر
• من 7-----------14 يكون تأثير الأصدقاء ظاهراً
• من 14---------21 يعتبر سن الاستقلال
• من 21---------30 هي مرحلة تقييم وتعديل القيم
ومن النادر أن يحدث تغيير جذري في سلوكيات وقيم الفرد بعد هذا العمر ما لم يمر بتجربة كبيرة ومؤثرة
ولو تمعنا في مصادر البرمجة عند الفرد لوجدنا أن الآباء هم أول وأهم هذه المصادر وأقواها ، ولو أحسنوا القيام بدورهم لكان تأثير بقية المصادر ضعيفاً مهما كانت هذه البرمجة سلباً أو إيجاباً ، وذلك لأن غراسهم قوياً, هم الأساس وهم القاعدة ، ومتى ما صلحت القاعدة صلح البنيان كله
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه
أود أن أدون أهم احتياجات الطفولة لتتم البرمجة بصورة إيجابية سليمة ، ولا نتحدث هنا عن الحاجات المادية مثل الطعام والشراب ولكننا هنا بصدد التحدث عن الحاجات النفسية ومن أهمها
• الحاجة للأمان
• الحاجة للحب والحنان
• الحاجة للشعور بالثقة بنفسه وبمن حوله
• الحاجة للتقدير والاحترام
• الحاجة لسلطة ضابطة وموجهة
• الحاجة للانتماء والاشتراك مع الجماعة
نتائج نقص هذه الاحتياجات أو بعضها
• الشعور بأنه شخص غير مرغوب فيه ، وهذا سيسبب له الشعور بالوحدة والضياع والألم
• ماسبق يدفعه للتصرف بعدائية نحو المجتمع والمحيطين به على وجه الخصوص
• التصرفات السلبية مثل العناد ، العنف ، العدوان ، البكاء دون سبب حقيقي ، الشقاوة المفرطة 000الخ وكل ذلك بهدف جذب الانتباه لتعويض النقص الحاصل لديه
سمات الآباء الناجحين
لكي تكون البرمجة إيجابية لدى الأبناء ينبغي أن يحرص الآباء والأمهات على السمات التالية
• تقبل مسئولية الأبوة والأمومة وتحملها على الوجه المطلوب
• الحرص على بناء القيم الدينية لأنها أساس الغرس الطيب والبرمجة البناءة
• بناء القيم الاجتماعية ليعيش في المجتمع بطريقة إيجابية ويتكيف مع ظروفه المختلفة
• المرونة في التعامل مع الأبناء لأن الشخص الأكثر مرونة هو الأكثر نجاحاً في حياته وفي بنائه للشخصيات السليمة
• الفصل بين السلوك الخاطىء والشخص، وعندما ينتقد أو يوجه فعليه أن يقيّم السلوك وليس الشخص حتى لا يحس الطفل بأنه مكروه أو منبوذ أو مرفوض ، فهنا سيشعر الطفل أن سلوكه الخاطىء مرفوض وليس هو شخصياً
• التحكم في الشعور والأحاسيس ، فلا ينبغي أن تكون ضغوط الحياة سبباً لاضطهاد الأبناء أو عدم الاستماع لهم ، أو معاملتهم بضيق أو ضجر بسبب الظروف التي لا ذنب لهم فيها
• الفصل بين الحب والعقاب ، فينبغي أن يشعر الطفل بحب أبويه حتى وهو ينال عقابهم ، وينبغي أن يٌشعر الآباء أبناءهم بالحب حتى وهم يعاقبوهم وينبغي أن يحرصوا على ذلك كثيراً قبل إنزال العقوبة وإشعار الطفل أنه محبوب وهو معاقب ، والعقوبة للسلوك وليس لشخصه ، والعقوبة للتصحيح وليس للانتقام
• منحهم الحب والحنان بصورة كافية لأنه الحصن الذي يحمي الأبناء من تلقي الرسائل السلبية من المجتمع - متى ما خرج له وبدأ في تلقي البرمجة منه - وهذه من أهم النقاط التي ينبغي أن يحرص عليها من أراد حماية أبنائه من البرمجة السلبية من المجتمع المدرسي أو المجتمع المحيط
• أن يكون الآباء هم قدوة ً في سلوكهم وتصرفاتهم مع الجميع وخاصة ً في تعاملهم مع أبنائهم ، فالسلوك أقوى وأسرع معلم للطفل
• وقبل هذا وذاك على الآباء والأمهات الالتزام بقواعد الشرع في اختيار شريك الحياة
ما أكثر الرسائل السلبية التي يوجهها الآباء لأبنائهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً وينصحون أبنائهم ، فللنصيحة والتوجيه أسلوب وطريقة ، بل هو فن ينبغي أن يحرص الآباء على تعلمه , ففي دراسة غربية أن المرء من ميلاده حتى يبلغ الثامنة عشر من عمره يتلقى من 50000 إلى 150000 رسالة سلبية , بينما يتلقى 600 رسالة إيجابية ، وقيل أقل من ذلك وذلك في أكثر الأسر إيجابية , فكيف الحال في الأسر الأكثر سلبية ؟؟!! لكم أن تتخيلوا رقم الرسائل السلبية وعليه ، وحتى نخفف من عدد الرسائل السلبية الموجهة لأبنائنا علينا الحرص على مبادىء البرمجة الإيجابية.
تجنب السلبيات التالية
• النقد بحيث تحرص على نقد الفكرة أو السلوك وليس الشخص ، حتى لا يتحول الأمر إلى عناد
• اللوم نستبدله بتوضيح سلبيات السلوك الخاطىء
• المقارنة لأنه يُــولد لدى الطفل الشعور بالنبذ وأنه غير محبوب وقد يُـولد لديه الكراهية للشخص الذي قورن به
• السخرية لأنه يسبب الإحباط والشعور بالفشل وقد يولد الكراهية
• السيطرة المطلقة وعدم ترك شيء من حرية الرأي والتعبير لدى الأطفال مما يولد شخصية غير قادرة على اتخاذ قراراتها وحدها مستقبلاً مرجعية خارجية
• التعميم عند ارتكاب أي خطأ
• عدم الإنصات له لأنه يولد لديه الشعور بالهامشية وبالتالي عدم تقديره لذاته مستقلاً ، بالإضافة إلى شعوره بعدم حب والديه له
• التدليل الزائد ، وعدم رفض طلباته إطلاقاً مهما كانت غير معقولة أو منطقية ، لأنه بهذا ينشأ غير متحمل للمسئولية ، يعتبر طلباته أوامر للجميع ، وعندما يخرج للمجتمع بهذه العقلية سيصطدم بأن المجتمع لا يقبل مثل هؤلاء الأشخاص ، وقد يجد صعوبة كبيرة في التكيف مع المجتمع من حوله مرجعية داخلية
• القسوة المفرطة بحجة تعويد الطفل على الرجولة ( إن كان ذكراً ) أو بحجة التعويد على قسوة الحياة والتعويد على الصبر إن كانت فتاة, بل إن البعض يبرر القسوة بمنطق ديني وبناءً على تفسير خاطىء للحديث الشريف ) اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم وهناك فرق ما بين القسوة ، والخشونة المطلوب تدريب الأبناء عليها
وهناك الكثير من السلبيات ولكن يقصر المجال عن ذكرها كلها ، ولكم أن تفكروا فيها
نماذج من السيرة
• روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال : خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنوات لم يقل مرة : لم فعلت كذا ، ولم لم تفعل ذلك .تأملوعشر سنوات لم يؤنبه ولم يتكلم معه بلغة سلبية أبداً
• أحد صغار الصحابة كان يأكل مع النبي صلى الله عليه وسلم وكانت تطيش يده هنا وهنا ، ماذا قال له النبي صلى الله عليه وسلم ياغلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك، لم يتخلل التوجيه كلمة سلبية واحدة
• يحدثنا ابن عباس رضي الله عنهما يقول كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي * ياغلام إني أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، اذا سألت فاسأل الله ، واذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيئ لم ينفعوك إلا بشيئ قد كتبه الله لك ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشيئ لم يضروك إلا بشيئ قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف، ودعا النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس وقال اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل
ولكم أن تتخيلوا التالي
* ركوب ابن عباس مع سيد ولد آدم على الدابة
* كيفية مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم وتعليمه لابن عباس
* تثبيت قواعد وأصول في قلب الغلام اعتقادات يسير عليها لا يضل
* رسم رسالة واضحة لمسيرة الحياة أمامه ليعرف كيف يسير الغلام معها
* وضع رسالة لابن عباس ليسلك طريق العلم وأصبح حبر الأمة
* الطريقة في التعليم كانت بالصيغة الإيجابية وتضمنت عمل ومكافأة أي هناك تحفيز
* لو تأملنا هذا الحديث لخرجنا بكتب ولكم أن تنظروا وتشعروا بكل أحاسيسكم والنبي صلى الله عليه وسلم راكب على البغلة وابن عباس الغلام رديفه ويعلمه هذه الكلمات.... أي تواضع هذا التواضع ... لا إله إلا الله
• يا أبا عمير ما فعل النغير ... كلمات صدرت من فم النبي صلى الله عليه وسلم لذلك الغلام الصغير عندما رآه النبي صلى الله عليه وسلم ومعه هذا الطائر وبعد أن رآه يبكي بعد فقده لهذا الطائر . كلمات تحبيبية لهذا الغلام وتخفيف عن ما في قلبه لله در هذا الغلام الذي وجد التحبب من الحبيب
للمعلومية استخرج العلماء من هذا الحديث أكثر من 70 فائدة
• أمامة بنت العاص كانت على عاتق النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فإذا ركع وضعها وإذا رفع رفعها
• كان الحبيب يخطب على المنبر في يوم الجمعة فإذا به يرى الحسن والحسين يتخطيان المصلين فنزل من المنبر وأخذهما واحتضنهما وصعد بهم معه إلى المنبر
• قبل النبي صلى الله عليه وسلم الحسن ، وقال الأقرع بن حابس عندي عشرة من الولد ما قبلت أحداً منهم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : من لا يرحم لا يرحم
No comments:
Post a Comment